تُعتبر نظرية العود الأبدي (Eternal Return أو Eternal Recurrence) من أبرز الأفكار الفلسفية التي طرحها الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه (Friedrich Nietzsche) في القرن التاسع عشر. تعني هذه النظرية باختصار أنَّ الحياة بكل ما فيها من أحداث، صغيرةً كانت أم كبيرة، سوف تتكرر بنفس التفاصيل إلى ما لا نهاية. قد يبدو هذا التصور غريباً للوهلة الأولى، ولكنه يحمل عمقاً فلسفياً وجودياً كبيراً.
نشأة النظرية
ظهرت نظرية العود الأبدي بوضوح في كتاب نيتشه الشهير: “هكذا تكلم زرادشت” (Also Sprach Zarathustra) عام 1883. وفيه يصف نيتشه تجربةً ذهنيةً لشخص يُدعى زرادشت يدعو من خلالها الناس لتخيّل حياتهم تتكرر إلى الأبد. وهي لم تكن فكرةً جديدةً كلياً، إذ تناولت الثقافات القديمة (مثل الإغريق والمصريون القدماء والهندوس) أفكارًا مشابهة عن الدورات الزمنية المتكررة، إلا أن نيتشه أعطاها بعدًا فلسفياً ووجودياً أعمق.
جوهر النظرية
تفترض نظرية العود الأبدي أنَّ الكون والزمن لا نهاية لهما، وأنَّ هناك عدداً محدوداً من الأحداث والتراكيب الممكنة. ولذلك، فإنَّ ما نعيشه حالياً قد حدث عدداً لا نهائياً من المرات في الماضي، وسوف يتكرر بنفس الطريقة عدداً لا نهائياً من المرات في المستقبل. يقول نيتشه على لسان زرادشت:
«كل شيء يذهب، كل شيء يعود؛
أبداً يدور دولاب الوجود،
أبداً يعود العام إلى نفسه.
ويرى نيتشه أن هذه الفكرة تفرض على الإنسان تحدياً عظيماً: هل بإمكانك تقبل أن حياتك الحالية، بكل أفراحها وأحزانها، ستُعاد إلى الأبد بنفس الشكل؟
نقد النظرية
رغم قوة الفكرة فلسفياً، تعرضت النظرية لانتقادات عديدة من الناحية العلمية:
مع ظهور نظرية الانفجار العظيم وتوسع الكون، افترض البعض أن توسع الكون لن يستمر إلى ما لانهاية، بل سيبدأ بالتقلص ليعود مجدداً إلى لحظة الانفجار العظيم بحيث تتكرر الأحداث ثانية. لكن مع تطور الفيزياء الحديثة، وخصوصاً ميكانيكا الكم، يبدو التكرار الدقيق لكل حدث أمراً مستحيلاً بسبب الطبيعة غير الحتمية للكون.
You must be logged in to post a comment.