يشير تعبير مطرقة نيتشه (Nietzsche’s hammer) إلى أسلوب نقدي جذري استخدمه الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه لتشريح (أو “طرق”) وفحص وتحطيم القيم والمعتقدات والمفاهيم الفلسفية والأخلاقية الراسخة.
جوهر “المطرقة”
التحطيم والفحص: هي أداة فحص واختبار، الهدف منها طرق الأصنام (القيم والمعتقدات التي تعتبر مقدسة وغير قابلة للنقاش، مثل الأخلاق الدينية التقليدية أو الفلسفات الميتافيزيقية) لمعرفة ما إذا كانت مبنية على الأوهام والضعف بدلاً من الحقيقة والقوة.
الوحي والتحرير: لم يكن الهدف مجرد التدمير، بل إزالة القيم الكاذبة والضعيفة لإفساح المجال لخلق قيم جديدة وأكثر صحة وإيجابية تُركز على قوة الحياة.
لماذا ابتكرها نيتشه؟
ضمن مشروعه لـ إعادة تقويم القيم (Umwertung aller Werte) ومواجهة العدمية؛ أراد اختبار الأسس التي تقوم عليها أخلاق الحداثة والميتافيزيقا الغربية.
ما الأصنام التي يطرقها؟
- الأخلاق الأسَمية/أخلاق القطيع: تمجيد الطاعة والتواضع بوصفهما “فضائل مطلقة”.
- الميتافيزيقا الأفلاطونية: “عالم الحقائق الثابتة خلف العالم الحسي”.
- المسيحية بصيغتها الأخلاقية: تمجيد الضعف والحرمان بوصفهما سموًّا روحيًّا.
- العقلانية السقراطية: وهم أن “العقل وحده يخلّص”.
- مفاهيم مثل الإرادة الحرة/الذنب كما تُستخدم أداة للوم والعقاب.
كيف تعمل «طرقة» نيتشه عمليًا؟
- التشخيص الجينيالوجي: اسأل عن أصل القيمة: من استفاد من ترسيمها “فضيلة”؟
- اختبار الحياة: هل هذه القيمة تؤكّد الحياة (القوة، الإبداع، النمو) أم تنفيها (الإنهاك، الازدراء بالجسد)؟
- كشف المخاتلة اللغوية: الكلمات الكبيرة (“الحقيقة”، “الخير”) تُقرَع لتنكشف مصالحها.
- التقويم: إن بدا الصوت أجوفًا، فلا تقديس—أعد ترتيب المراتب القيمية.
ما الذي ليست مطرقة نيتشه؟
- ليست دعوة للفوضى أو للهدم الشامل.
- ليست منهجًا “موضوعيًّا” محايدًا؛ إنما نقد قيَمي جريء يعلن تحيّزه لصالح تأكيد الحياة و”إرادة القوة”.
مثال: شعار “الشعب العظيم”
يكرر القادة السياسيون قول “الشعب العظيم”. فيما يلي تحليلاُ لاستخدام هذا الشعار وفق مطرقة نيتشه:
السياق التاريخي: يظهر الشعار عادةً في لحظات حرب/أزمة/انتخابات/تعبئة رسمية.
الوظيفة السياسية: يَعدُ بالاعتراف والتمجيد مقابل الطاعة/الاصطفاف. يُستخدم كتعويض رمزي عن حقوق مفقودة (أمن، خبز، حرية).
المستفيد: السلطة (أيًّا كانت) التي تريد شرعية عاطفية سريعة بلا إصلاحات ملموسة.
تضخيم بلا محدّدات: “عظيم” بلا معيار أو دليل. ما معيار العظمة؟ المشاركة؟ الإبداع؟ الصمود؟
التشييء/التوحيد: يحوّل ملايين البشر المختلفين إلى كتلة واحدة (جوهر ثابت)، ويُلغي التنوّع والاختلاف والنقد.
الإزاحة: يحمّل “الشعب” صفات بطولية ليُخلي المؤسسات من المسؤولية (إذا الشعب عظيمًا، فالفشل “مؤامرة” لا تقصير سياسات).
الربح: هدف الحاكم من استخدامه إلى قطف ثمرة الولاء.
الخسارة: الأفراد والفئات المهمّشة حين يُطلب منهم التحمّل باسم “عظمة” مجرّدة، بينما تُؤجَّل المحاسبة والحقوق.
لو كان الشعار وصفًا موضوعيًا، يجب أن ينعكس في مؤشرات قابلة للقياس: التعليم، الصحة، الحريات، الابتكار، التضامن المدني…
غياب المؤشرات = صوت أجوف عند الطرق.
You must be logged in to post a comment.