ظاهرة التشابك الكمومي (Quantum Entanglement) هي حالة خاصة في ميكانيكا الكم حيث يصبح جسيمان أو أكثر (مثل فوتونين أو إلكترونين) مرتبطين بطريقة تجعل خصائص كل واحدٍ منهما لا يمكن وصفها بشكل مستقل عن الآخر، حتى لو كانا بعيدين عن بعضهما آلاف الكيلومترات. بمعنى آخر: إذا قمت بقياس حالة أحد الجسيمين (مثل اتجاه دورانه)، فستعرف فورًا نتيجة قياس الآخر، مهما كانت المسافة بينهما.
مثال مبسّط
تخيّل أن لدينا زوجًا من الإلكترونات في حالة متشابكة بحيث يكون مجموع دورانهما (Spin) دائمًا صفر:
إذا وجدت أن الإلكترون الأول له دوران “لأعلى” ↑،
فهذا يعني أن الإلكترون الثاني سيكون حتمًا “لأسفل” ↓.
لو فصلنا بينهما آلاف الكيلومترات، ثم قمنا بقياس الأول، ستظهر نتيجة الثاني في اللحظة نفسها متطابقة مع القاعدة.
لماذا هي غريبة؟
في الفيزياء الكلاسيكية، لو كان جسمان بعيدين، يجب أن تنتقل بينهما إشارة بسرعة محدودة (أقصاها سرعة الضوء).
لكن في التشابك، يبدو وكأن هناك “ترابطًا لحظيًا” بلا إشارة مرئية.
كيف يُستخدم التشابك؟
التشفير الكمومي (Quantum Cryptography): استخدام التشابك لبناء اتصالات آمنة تمامًا مثل بروتوكول BB84
الحوسبة الكمومية (Quantum Computing): التشابك يتيح معالجة متوازية هائلة للبتّات الكمومية (Qubits)
النقل الكمومي (Quantum Teleportation): نقل “الحالة الكمومية” من جسيم إلى آخر بعيد دون نقل المادة نفسها
الخلاصة
التشابك يعني أن “معلومة” الحالة موزعة بين جسيمين أو أكثر بطريقة تجعلهم كيانًا واحدًا.
لا ينتهك ذلك نظرية النسبية (لا يُرسل معلومات أسرع من الضوء)، لكنه يكشف عن طبيعة مترابطة وغريبة للواقع على المستوى الكوانتي.
تأثير هذه الظاهرة في الفلسفةالتشابك الكمومي لم يغيّر الفيزياء فقط، بل أثّر بعمق في الفلسفة، لأنه يلمس أسئلة قديمة جدًا حول الواقع، السببية، المعرفة، والحرية.
أولاً: الجدل حول “الواقع الموضوعي“
- في الفلسفة الكلاسيكية (من أرسطو إلى ديكارت)، كان يُفترض أن الأشياء لها خصائص مستقلة، سواء لاحظناها أم لا.
- التشابك الكمومي قلب هذه الفكرة: لا يمكن وصف الجسيمات كأشياء مستقلة، بل كـ نظام واحد مشترك.
- هذا دفع بعض الفلاسفة والعلماء للقول إن الواقع غير محلي(Non-local) وعلاقاتي أكثر منه “جوهرًا فرديًا”.
ثانياً: الحتمية مقابل الاحتمال
- أينشتاين رفض الفكرة وقال عبارته الشهيرة: “الله لا يلعب النرد“.
- لكنه خسر الرهان، لأن التجارب أثبتت أن الاحتمال ليس نقصًا في معرفتنا، بل جزء من بنية الطبيعة نفسها.
- الفلاسفة اعتبروا هذا نهاية للنظرة الحتمية الصارمة التي سادت منذ نيوتن.
ثالثاً: دور المراقب والوعي
- في التشابك، لا تُحدَّد الحالة إلا لحظة القياس.
- هذا أثار سؤالًا فلسفيًا: هل الوعي البشري جزء من العملية (كما لمح كوبرنيكان وفلاسفة مثل فون نيومان)؟
- البعض ذهب بعيدًا ليربط بين ميكانيكا الكم والوعي، رغم أن هذا ما زال مثيرًا للجدل علميًا.
رابعاً: البُعد الميتافيزيقي
- بعض الفلاسفة يرون أن التشابك يُعيد إحياء أفكار قديمة عن ترابط الكون، كما في الفلسفات الشرقية (الطاوية، البوذية).
- آخرون شبّهوا التشابك بمفهوم “الوحدة” عند المتصوفة: أن كل شيء متصل ببعضه بعمق.
خامساً: المعرفة والحدود الإنسانية
- التشابك يضع حدودًا على ما يمكن معرفته بشكل مستقل (لا يمكن أن تعرف كل شيء عن جسيم دون النظر إلى الآخر).
- هذا غذّى النقاشات الفلسفية حول حدود المعرفة البشرية (Epistemology)

You must be logged in to post a comment.